آخر الأحداث والمستجدات
باحة تفكير رمضانية: مكناس، مكناس...
مكناس مدينة التناقضات الاجتماعية بوحدة قياس الوعي السياسي والانتماء الاجتماعي ، ثم بوحدة قوة حضور النفوذ والحظوة الريعية أو الاعتبارية . إنه تضارب وعي مدينة بين ماض مجيد وتحديات مستقبل لم تقدر المدينة على مواجهتها - لحد الآن - لعدة أسباب تحمل البصمة الجينية لأهل الحل والعقد الذين تداولوا على السلطة والسياسية بالمدينة ، وأخرى موضوعية مرتبطة بالتحولات الهيكلية لبنية المدينة.
تمايزات أطبقت سدادة طنجرة الضغط على مدينة مكناس وجعلت من نسخة المدينة الحضرية نسخة مشوهة غير متجانسة مجاليا / اجتماعيا . مدينة يوما عن يوم تتخلي عن الزعامة (العاصمة الإسماعيلية /المركز الاستراتيجي ...) لصالح مدن الساحل وما جاورها ، أو في إطار الدفع السريع بنمط الجهوية المتقدمة وافتقاد المدينة لمركزيتها القيادية .
في كل صبيحة فجرمن أيام الصيام الرمضاني بمدينة مكناس تعلن حالة الاستثناء الطوعية بطلقات مدفع الإمساك . إنها حالة ترسيم حظر التجول الإرادي الذي يسود المدينة بجل أحيائها من الشعبي إلى الكولونالي . إنها انعكاس وفيٌ لأثر الخمول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي الذي جبلت عليه المدينة بالتلقيح ، و تمت محاصرة مكناس به وتعايش سكانها معه بالتوافق والملاءمة السلبية ...
حين تتجول بمكناس تشم رائحة الصوم وقد أسدل ظله على المدينة نهارا وفرض سلطته الضاربة بملازمة أسرة النوم بالمنازل والفوز بها . حركة إن لم نقل منعدمة فهي قليلة إن أحصيناها ، وهمت كل من يرتبط رزقهم اليومي بوجوبية الخروج إلى الشارع والسعي الحثيث نحو سوق العمل الراقد هو الآخر. وترى القوم في خفة من مشيتهم يقتفون اثر ظل الأسوار الآيلة للسقوط .
"مكناس طاجينها حامي ..." وهو ما قاله مولاي عبد الرحمان المجذوب في حق حاضرة مكناس . نعم الطاجين الاجتماعي أصبح أشد حرارة بفعل الضغوطات الحياتية الملازمة للساكنة بانتكاسة الوضعية المادية وتدني المستوى المعيشي لغالبية الأسر(18.7% نسبة البطالة)، خوفي الكبير من لازمة تتمة كلام المجذوب "وفي السماء طارو شقوفو " وهذا الذي لا نرتضيه بتاتا لمدينتنا الوفية .
تنظر إلى وجوه المارة صباحا فلا تجد فيها إلا شرود النوم وبؤس حيلة اليد ،لا تجد فيها إلا قول إن أخاك بالتوكيد قد لفظه سرير النوم مجبرا إلى الشارع . فكرت في الشهر الكريم وسلطته القوية في فرض حالة الاستثناء دون أن تتحدث عليه التقارير الحقوقية الوطنية والدولية أو هيئة الأمم المتحدة . هنا اكتشفت قوة شهر رمضان الاعتبارية من حيث أن سلطته تعتلي منصة المآذن ويصبح الركوع والسجود يمارس حتى بأبواب المساجد .
ذ/ محسن الأكرمين.
الكاتب : | محسن الاكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2019-05-25 17:19:52 |